فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} أي بين النار والجنة لأنه جرى ذكرهما حاجز؛ أي سُورٌ.
وهو السور الذي ذكره الله في قوله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} [الحديد: 13].
{وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ} أي على أعراف السور؛ وهي شُرَفُه.
ومنه عُرف الفرس وعُرف الديك.
روى عبد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه قال: الأعراف الشيء المُشْرِف.
وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: الأعراف سور له عُرف كُعْرف الديك.
والأعراف في اللغة: المكان المُشْرف؛ جمع عُرْف.
قال يحيى بن آدم: سألت الكسائيّ عن واحد الأعراف فسكت، فقلت: حدثنا إسرائيل عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال: الأعراف سور له عرف كعرف الدّيك.
فقال: نعم والله، واحده يعني، وجماعته أعراف، يا غلام، هات القرطاس؛ فكتبه.
وهذا الكلام خرج مخرج المدح؛ كما قال فيه: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} [النور: 37] وقد تكلم العلماء في أصحاب الأعراف على عشرة أقوال: فقال عبد الله بن مسعود وحُذيفة ابن اليمان وابن عباس والشعبيّ والضحاك وابن جُبير: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.
قال ابن عطية: وفي مسند خيثمة بن سليمان في آخر الجزء الخامس عشر حديث عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُوضع الموازين يوم القيامة فتُوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صُؤابة دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار».
قيل: يا رسول الله، فمن استوت حسناته وسيئاته؟ قال: «أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون» وقال مجاهد: هم قوم صالحون فقهاء علماء.
وقيل: هم الشهداء؛ ذكره المَهْدويّ.
وقال القشيريّ: وقيل هم فضلاء المؤمنين والشهداء، فرغوا من شغل أنفسهم، وتفرغوا لمطالعة حال الناس؛ فإذا رأوا أصحاب النار تعوّذوا بالله أن يُرَدّوا إلى النار، فإن في قدرة الله كل شيء، وخلاف المعلوم مقدور.
فإذا رأوا أهل الجنة وهم لم يدخلوها بعدُ يرجون لهم دخولها.
وقال شَرَحْبيل بن سعد: هم المستشهِدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم.
وذكر الطبري في ذلك حديثًا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: وأنه تعادل عُقوقهم واستشهادهم.
وذكر الثعلبيّ بإسناده عن ابن عباس في قوله عز وجل: {وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ} قال: الأعراف موضع عالٍ على الصراط، عليه العباس وحمزة وعليّ بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين، رضي الله عنهم، يعرفون محبِّيهم ببياض الوجوه ومُبْغضيهم بسواد الوجوه.
وحكى الزَّهرَاوِي أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وهم في كل أمة.
واختار هذا القول النحاس، وقال: وهو من أحسن ما قيل فيه؛ فهم على السور بين الجنة والنار، وقال الزجاج: هم قوم أنبياء.
وقيل: هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غَمٌّ فيقع في مقابلة صغائرهم.
وتمنىَّ سالم مولى أبي حُذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف؛ لأن مذهبه أنهم مذنبون.
وقيل: هم أولاد الزنى؛ ذكره القُشَيريّ عن ابن عباس.
وقيل: هم ملائكة موكَّلون بهذا السور، يميِّزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار؛ ذكره أبو مجلز.
فقيل له: لا يقال للملائكة رجال؟ فقال: إنهم ذكور وليسوا بإناث، فلا يبعد إيقاع لفظ الرجال عليهم؛ كما أوقع على الجنّ في قوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن} [الجن: 6].
فهؤلاء الملائكة يعرفون المؤمنين بعلاماتهم والكفار بعلاماتهم؛ فيبشِّرون المؤمنين قبل دخولهم الجنة وهم لم يدخلوها بعدُ فيطمعون فيها.
وإذا رأوا أهل النار دَعَوْا لأنفسهم بالسلامة من العذاب.
قال ابن عطية: واللازم من الآية أن على الأعراف رجالًا من أهل الجنة يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وُصف من الاعتبار في الفريقين.
و{يَعْرِفُونَ كُلًا بِسِيمَاهُمْ} أي بعلاماتهم، وهي بياض الوجوه وحسنُها في أهل الجنة، وسوادُها وقبحها في أهل النار، إلى غير ذلك من معرفة حَيِّز هؤلاء وحيز هؤلاء.
قلت: فوقف عن التعيين لاضطراب الأثر والتفصيل، والله بحقائق الأمور عليم.
ثم قيل: الأعراف جمع عُرْف وهو كل عالٍ مرتفع؛ لأنه بظهوره أعرف من المنخفض.
قال ابن عباس: الأعراف شُرَف الصراط.
وقيل: هو جبل أُحُد يوضع هناك.
قال ابن عطية: وذكر الزَّهْرَاوِيّ حديثًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أُحُدًا جبل يُحبُّنا ونُحبّه وإنه يوم القيامة يمثّل بين الجنة والنار يُحبس عليه أقوام يعرفون كلًا بسيماهم هُمُ إن شاء الله من أهل الجنة» وذكر حديثًا آخر عن صَفْوان بن سُلَيم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن أُحُدًا على ركن من أركان الجنة».
قلت: وذكر أبو عمر عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُحد جبل يحبنا ونحبه وإنه لعلى تُرْعة من تُرع الجنة».
قوله تعالى: {وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة} أي نادى أصحابُ الأعراف أصحابَ الجنة.
{أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} أي قالوا لهم سلام عليكم.
وقيل: المعنى سلمتم من العقوبة.
{لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف، أي لم يدخلوها بعدُ.
{وَهُمْ يَطْمَعون} على هذا التأويل بمعنى وهم يعلمون أنهم يدخلونها.
وذلك معروف في اللغة أن يكون طَمِع بمعنى عَلِم؛ ذكره النحاس: وهذا قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما، أن المراد أصحاب الأعراف.
وقال أبو مجلز: هم أهل الجنة، أي قال لهم أصحاب الأعراف سلام عليكم وأهل الجنة لم يدخلوا الجنة بعدُ وهم يطمعون في دخولها للمؤمنين المارِّين على أصحاب الأعراف.
والوقف على قوله: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ}.
وعلى قوله: {لَمْ يَدْخُلُوهَا}.
ثم يبتدئ {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} على معنى وهم يطمعون في دخولها.
ويجوز ان يكون {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} حالًا، ويكون المعنى: لم يدخلها المؤمنون المارّون على أصحاب الأعراف طامعين، وإنما دخلوها غير طامعين في دخولها؛ فلا يوقف على {لم يدخلوها}. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {وبينهما حجاب} يعني بين الجنة والنار وقيل بين أهل الجنة وأهل النار حجاب وهو المذكور في قوله تعالى: {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} قال مجاهد الأعراف حجاب بين الجنة والنار.
وقال السدي وبينها حجاب هو السور وهو الأعراف وقوله: {وعلى الأعراف رجال} الأعراف: جمع عرف وهو كل مرتفع من الأرض ومنه قيل عرف الديك لارتفاعه على ما سواه من الجسد سمي بذلك لأنه بسبب ارتفاعه صار أعرف وأبين مما انخفض، وقال السدي: إنما سمي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الأعراف الشيء المشرف وعنه قال الأعراف سور كعرف الديك وعنه أن الأعراف جبل بين الجنة والنار.
يحبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار واختلف العلماء في صلة الرجال الذين أخبر الله عنهم أنهم على الأعراف وما السبب الذي من أجله صاروا هنالك فروي عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة وتخلفت بهم حسناتهم عن النار فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله تعالى فيهم، قال بعضهم: إنما جعلوا على الأعراف لأنها درجة متوسطة بين الجنة والنار فهم لا من أهل الجنة ولا من أهل النار لكن الله تعالى يدخلهم الجنة بفضله ورحمته لأنه ليس في الآخرة دار إلا الجنة أو النار.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر بواحدة دخل الجنة من كانت سيئاته أكثر بواحدة دخل النار وإن الميزان يخف ويثقل بمثال حبة من خردل ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الأعراف فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا سلام عليكم وإذا نظروا إلى أهل النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فهنالك يقول الله تعالى: {لم يدخلوها وهم يطمعون} فكان الطمع دخولًا قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إذا عمل العبد حسنة كتب له بها عشر وإذا عمل سيئة لم تكتب له إلا واحدة ثم قال هلك من غلب آحاده عشراته، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الأعراف سور بين الجنة والنار وأصحاب الأعراف هم قوم استوت حسناتهم وسيئآتهم فهم بذلك المكان حتى إذا أراد الله تعالى أن يعافيهم انطلق بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة حافتاه قصب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم وتبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها حتى إذا صلحت ألوانهم أتى بهم الرحمن تبارك وتعالى فقال تمنوا ما شئتم فيتمونون حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم لكم الذي تمنيتم ومثله سبعون ضعفًا فيدخلون الجنة ذكره ابن جرير في تفسيره.